القائمة الرئيسية

الصفحات

العملاق المهاجم فجر امبر: الفصل الثاني



تفتحُ ريبيكا عينيها فتجدُ نفسَها في الفراغِ وأمامها شيءٌ مثل الطاولةِ أو المنصةِ الحجريةِ وفوقَها شكلٌ حجريٌ منقوشٌ عليهِ كلمةٌ كبيرةٌ مضيئةٌ تُقرأُ بلغتِها "هايبيريون" تقربُ يدَها منه وتلمسُه فيضيءُ جسمُها كلّه ثم تعودُ للحياةِ الواقعيةِ ...

.
.
.
.
.
.

_ تقفُ مارثا أمامَ باب المنزلِ ناظرةً إلى العملاقِ القادمِ من بعيدٍ وفجأةً تسقطُ الدلوَ الذي تحملُه عندما ترى الدماءَ التي تتسربُ من بينِ أصابعِ يدهِ المقبوضةِ.

_ تقفُ ريبيكا البشريةُ بجانبِ والدِها النائمِ وتضعُ أصابعَها فوقَ جسدِه فيظهرُ فجأةً برقٌ أصفرُ وتخرجُ جذورٌ غريبةٌ من أطرافِ أصابعِها وتنغرسُ داخلَ جلدِ والدها وتتوزعُ داخلَ جسدهِ لتعالجَه.

_ ريبيكا ووالداها يعانقون بعضَهم ويبكون ...

_ ثم في وقتٍ لاحقٍ يقفُ ثلاثتُهم عندَ قبرِ جيم ويبقون طولَ اليومِ عندَه، يبقون عند القبر ليومين كاملين حداداً عليه، وبعدها يغادرُ نيلز ومارثا مكانَ القبرِ لكن تبقى ريبيكا مستلقيةً بجانبِه ولا تغادرُ وتستمرُّ بالهمسِ: "آسفة، آسفة، آسفة" و في هذا اليوم تنام في مكانِها بدونِ أن تبرحَ مكانَ القبرِ.

في اليومِ التالي تستيقظُ ريبيكا وتجدُ أنه قد تمّت تغطيتُها ببطانيةٍ وتبقى إلى جانبِ القبرِ هذا اليومَ أيضاً، وتمضي الأيامُ ولا تتحركُ ريبيكا من مكانِها ووالداها يستمرانِ بالمجيءِ إليها باستمرارٍ.

.
.
.
.

وفي أحدِ الأيامِ يأتي والدُها إليها، يقتربُ منها ويجلسُ بجانبِها ...

نيلز: هي ريبيكا، ألا تظنّينَ أنَّه قد حانَ وقتُ العودةِ للمنزل ؟.

ريبيكا : ...

نيلز : كلُّنا قد حزنّنا جميعاً على فقدانِ جيم، لقد خسرنا جزءاً ثميناً من كيانِنا،ووالدتُكِ لم تعد تقوى على السيرِ بعدما حصل، لكن لا يجبُ أن نحمّل أنفسَنا حزناً يفوقُ طاقتَنا، فإنَّ الموتَ هو سنّةُ الحياةِ ويجبُ على هذهِ الحياةِ تواصلَ السيرَ بغضِّ النظرِ عن أي شيء ...

ريبيكا : لا ... أريد ... ذلك ...

يفكّرُ نيلز قليلاً وتخطرُ ببالهِ فكرةٌ ثمَّ يتحدثُ : ما رأيكِ أن نذهبَ إلى العالمِ الخارجيِّ ! خارجَ هذه الجزيرةِ، حيث يوجد هنالك كلُّ شيءٍ، مأكولاتٌ وبشرٌ كثيرون لمقابلتِهم وأماكنُ رائعةٌ لزيارتِها !.

ريبيكا : لا ... أريد ... إت...ركني ... وشأ...ني ...

ينظرُ نيلز إليها بحزنٍ وبخيبةِ أملٍ ثم يتكلمُ : ألا تريدين على الأقلِّ محاولةَ الشرحِ ما الذي حصلَ لجيم في ذلكَ اليومِ ؟

تتذكرُ بعدَها ريبيكا مباشرةً مشهدَ إلتهامِها لأخيها ثمَّ تبدأُ بالصراخِ بشكلٍ جنونيٍّ.

ينظرُ نيلز إليها بتفاجؤٍ ويدركُ فظاعةَ سؤالِه فيعانقُ ريبيكا مباشرةً لتهدأتِها : أنا آسف، آسف، لم أقصد قول ذلك، سامحيني يا عزيزتي.

ريبيكا (تبكي) : ...

نيلز : لا بأس، لا عليكِ، كلُّ شيءٍ سيكونُ بخيرٍ، فأنا معكِ هنا.

ريبيكا : ...

.
.
.
.
.
.
.
.

يمرُّ حوالي أسبوعان وريبيكا لم تبرح مكانَ القبرِ بعد وفي أحدِ الأيّامِ بينما هي مستلقيةٌ بجانبه تعبرُ فجأةً طائرةٌ حديثةٌ ذاتُ أربعةِ مراوحَ بسرعةٍ في السماءِ ولكنَّ ريبيكا تظلُّ مستلقيةً في مكانِها بلا اكتراثٍ.

وبعدَ حوالي الساعةِ تشعرُ بهزةٍ أرضيةٍ خفيفةٍ ثمَّ تفتحُ عينيها لترى حيواناً غريباً كأنّه هجينٌ بينَ الأرنبِ البريِّ والكلبِ، ويحدّقُ في عينيها مباشرةً، وتحديقُه فيها بهذا الشكلِ بعينيه المريبتين أثارَ فيها بعضَ الرعبِ فتعدلُ من جلستِها وهو لا زالَ يحدّقُ بنفسِ تلكَ النظرةِ المخيفةِ، تنظرُ ريبيكا إليه بحذرٍ للحظات، ثم فجأةً يقفزُ عليها ويضربُها بمخلبِه فتحاولُ تجنّبَها لكن يجرحُها في وجهِها ثم ينطلقُ مبتعداً باتجاهِ الغابةِ وهي تنظرُ إليه مستغربةً وواضعةً يدَها مكانَ الجرحِ الذي ينزفُ، ثم تلاحظُ في المكانِ الذي ذهبَ إليه بعضَ أعمدةِ الدخانِ والتي تصدرُ من نفسِ اتّجاه منزلها !.

تنطلقُ إلى هناك بسرعةٍ -بدونِ تحوّلٍ- لتتفاجأَ بأن تجدَ أنّ بيتها قد تمّ تدميرُه وألسنةُ النيرانِ تتصاعدُ من داخلِه فتصابُ الفتاةُ بذعرٍ شديدٍ وتبحثُ عن والديها في الأرجاءِ حتّى تجدَ والدتَها ملقيةً على الأرضٍ وهي تبكي.

ريبيكا : أ ... أمّي ؟!

ترفعُ مارثا رأسها وتنظرُ إلى ريبيكا ثم تلقي نفسَها عليها وتعانقُها : ريبيكا ! لقد أخذوه، أخذوه منّي، لقد أخذوا والدكِ معهم !.

تنصدمُ ريبيكا من ذلكَ وتنزلُ دموعٌ من عينيها، ثمّ تنظرُ إلى السماءِ وترى طائرةً تحلّق فيها بعيداً.

مارثا : أنتِ هي كلُّ ما تبقّى لي ! أرجوكِ، لا تفكّري في تركيَ أبداً !

تستمرُّ ريبيكا بالتحديقِ إلى الطائرةِ ثم ترتسمُ على وجهِها ملامحُ الغضبِ وتصكُّ على أسنانِها مع استمرارِ انهمارِ الدموعِ من عينيها، ثم تفلتُ والدتَها وتبدأُ بعضِّ يدِها لتتحولَ .

تصرخ مارثا : ريبيكا لا ! ما الذي تفعلينه ؟!

تستمرُ ريبيكا بالعضِّ ومحاولةِ جرحِ يدِها.

تفكرُ مارثا بسرعةٍ وتخرجُ من حقيبتِها حقنةً مخدرةً، تملؤها في لحظاتٍ ثم تحقنُ جسدَ ريبيكا التي تسقطُ مغميةً عليها بعدَ أقلِّ من دقيقةٍ من حقنِها ...

.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.

تستيقظُ ريبيكا وتجدُ نفسَها في سريرٍ في غرفةٍ غيرِ مألوفةٍ عليها، وترى مارثا تخرجُ أغراضاً من صندوقٍ وتوزعُهم في الغرفةِ.

مارثا : لقد استيقظتِ أخيراً، أهلاً بكِ في منزلِنا الجديدِ !.

تنظرُ ريبيكا حولَها وتكتشفُ أنَّه منزلُ شجرةٍ جزءٌ منه محفورٌ داخلَ إحدى الأشجارِ العملاقةِ ومُخبأٌ بين غابةٍ من الأشجارِ العملاقةِ.

تحاولُ مارثا أن تبدو متفائلةً بينما هي تتحدّثُ : لقد عشنا في هذا المنزلِ لفترةٍ محدودةٍ منذُ عدّةِ سنواتٍ حتى بنينا ذلك المنزلَ الذي اعتدنا على العيشِ فيه ، والآن سيتوجّبُ علينا العيشُ هنا مبدئيّاً وعندما نضمنُ أنَّ كل شيءٍ بخيرٍ حينها سنفكّرُ بما سنفعلُه تالياً.

تنظرُ مارثا في إحدى زوايا الغرفةِ فتجدُ كتاباً مرمياً جانباً.

مارثا : جيّد، لقد كانَ والدكِ يبحثُ عن هذا الكتابِ منذُ دهرٍ وها هو ذا هنا، سنحتاجُ شيئاً ما لكي يسلينا هنا.

ثم بعدَها تخرجُ عداداً من الصندوقِ وموجودٌ عليه رقمُ "7.75" ، تهمس مارثا "لا بأس" وتعلقه على الجدارِ.

ريبيكا : من ... هم ؟

مارثا : من ؟

ريبيكا : من ... هم ؟

مارثا : أنتِ تقصدين أولائك ؟ آسفةٌ يا عزيزتي، لا أستطيعُ إخباركِ عن هويتهم لكي لا تقومي بارتكابِ حماقةٍ ويأخذونَك أنتِ أيضاً، أرجو أن تتفهمي الأمر.

تسكنُ ريبيكا للحظاتٍ ثم تنهضُ عن السريرِ وتخرجُ إلى الشرفةِ حيثُ قد حلَّ الليلُ وتنظرُ بعيداً، ثم تتبعُها والدتُها.

مارثا : ريبيكا هل أنتِ بخير؟

ريبيكا : إتر...كيني ... وحدي ...

مارثا : لكن...

تقاطعها ريبيكا : أتركي...ني ... وحدي ...

تنظرُ مارثا إليها نظرةً فيها شيءٌ من الحزنِ ثم تومئُ موافقةً، وتعودُ إلى الداخلِ.

تتحسّسُ ريبيكا على وجهِها وتلاحظُ أن الجرحَ الذي تلقّتهُ من ذلك الحيوانِ لم يلتئم لسببٍ ما، ثم بعدها تتذكرُ جملةَ الظلِّ "يمكنكِ العودةُ إلى هنا متى ما شئتِ ".

تفكرُ ريبيكا قليلاً ثمَّ تغمضُ عينيها وتفتحُها وفجأةً تجدُ نفسَها بالفعلِ في نفسِ ذلكَ المكانِ "الفراغ".

.
.
.
.
.

تنظرُ إلى السماءِ فترى أنّ تلك النجمةَ المتوهجةَ قد صارت إثنتين وهناكَ خطٌّ مضيءٌ يصل بينَهما، تحدّق عليهم قليلا.

الصوت : النجمةُ الثانيةُ هي أخوكِ جيم.

تحدّقُ ريبيكا في النجمتين لعشرِ ثوانٍ ثمّ تلتفتُ إلى اتجاهِ الصوتِ.

ريبيكا : من ... هم ؟!

الصوت : إنّهم مجموعةٌ من الإرهابيّين الذين سيكونُ العالمُ أفضلَ بدونهم !.

ريبيكا : ....

الصوت : يمكنني رؤيةُ والدكِ الآن، إنّه محتجزٌ في زنزانةٍ ويتمُّ حالياً استجوابُه وتعذيبُه.

ريبيكا بذعر : أريدُ ... إنقا...

الصوت : تريدين إنقاذَه صحيح ؟

ريبيكا : أجل ...

الصوت : هل تريدينَ الانتقامَ ممّن خطفوا والدكِ ودمروا بيتكِ والقضاءَ عليهم جميعاً ؟

ريبيكا بسعادةٍ : أجل أجل !

الصوت : حسنا إذاً، أريدُ منكِ القيامَ بأمرين فقط، أحدُهما سهلٌ والآخرُ صعب وحينَها سيكون بمقدورَكِ الانتقامُ وفعلُ ما يحلو لكِ.

ريبيكا : ح...سنا ...

الصوت : أولاً لقد اعطيتكِ قوةَ عملاقِ هايبيريون المعالجةَ بعدَ تلك الحادثةِ مع أخيكِ عند الجبلِ وهذهِ القوةُ ستمكنكِ من معالجةِ أيِّ إصابةٍ مهما كانت ! لذلك أريدُ منكِ علاجَ دماغِكِ لكي يعودَ تفكيركِ سويّا من جديد.

ريبيكا : ...

الصوت :إنَّ علّتكِ هذه لم تكن منذُ ولادتِك، سببُها أنه عندما كنتِ طفلةً أسقطَكِ والدُكِ أرضاً وتعرّض دماغكِ لإصابةٍ، لذلكَ فقط ضعي أصابعكِ على مكان الإصابةِ وسيتمُّ شفاؤُها تلقائيّاً.

ريبيكا : ح... حسنا ...

الصوت : والآن الطلبُ الصعب، أريدُ منكِ الحصولَ على قوةِ عملاقٍ آخر.

ريبيكا : ما...ذا .. ؟

الصوت : هذا كلُّ شيءٍ للآن، سأحدّثكِ عندما تتمّين هاتين المهمّتين.

.
.
.
.
.

ثم فجأةً يختفي كلُّ شيءٍ وتعود ريبيكا إلى الحياةِ الواقعيةِ حيثُ هي تقفُ على الشرفةِ ليلاً في مكانٍ عالٍ والأشجارُ في الأسفلٍ في كلِّ مكانٍ.

تحاولُ ريبيكا استيعابَ ما قالَه الظلُّ وبعدها تجرحُ يدها و تضعُها قربَ رأسِها ويخرجُ برقٌ أصفرُ وتبدأُ الجذورُ بالدخولُ لرأسِها وتبدأُ عمليّةُ العلاج !.

تخرجُ والدتُها إلى الشرفةِ بعدَ فترةٍ وترى تلكَ الأشياء تدخلُ في رأسِ ابنتِها فتجري إليها وتمسكُ يدَ ريبيكا وتخرجُ الجذورَ من داخلِ رأسِها ويظهرُ برقٌ أصفرُ مجددا، تضعُ ريبيكا يدَها على رأسِها ثم تفتحُ عينيها وتنظرُ أمامَها، تنظرُ إلى الطيورِ والأشجارِ وهي تحركُها الرياحُ، تشعرُ بالنّسيمِ وهوَ يداعبُ شعرها، وتستنشقُ الهواءَ النقيَّ الذي تتعلّلهُ رائحةُ الصنوبرِ، أمّها تهزُّ كتفَ ابنتِها وتسألُها فيما إذا كانت بخيرٍ لكن ريبيكا لا تستجيب، وتنظر ريبيكا إلى سماءِ الليل الصافية المليئةِ بالنجومِ بشكل باهرٍ للجمالِ وتستمرُّ بالتحديقِ فيها لنصفِ دقيقةٍ.

ريبيكا بانبهارٍ : السماء .... -تنظرُ إليها مارثا باستغرابٍ- جميلة....

تنظرُ مارثا إلى السماءِ أيضاً وتجيبُ : هذا صحيح، إنَّها جميلةٌ جداً، خصوصاً في هذه الجزيرةِ، قبلَ أن نأتيَ إلى هنا كنّا بالكادِ نراها.

تستمرُّ ريبيكا بالتحديقِ في السماءِ بانبهارٍ، ثم تضعُ مارثا يديها على كتفي ابنتِها.

مارثا : أريدُ منكِ أن تعديني ... ألّا تقومي بأيِّ شيءٍ غبيٍّ دون إخباري، هل تعدينني بذلك ؟

تنظرُ ريبيكا إلى والدتِها وتفكرُ قليلا ثمّ تجيبُ : ... أنا ...أعدك ...

.
.
.
.
.
.
.

~~~~~ قفزاتٌ زمنيةٌ ~~~~~

_ ريبيكا بهيئةِ العملاقِ بعدَ عدّةِ أيامٍ تقومُ بتدميرِ بعضِ الأشجارِ بركلات أرجُلها ويبدو أنها تتدربُ.

.
.
.

_ ريبيكا تساعدُ أمَّها في بناءِ وترميمِ بيتِ الشجرةِ.

.
.
.

_ مارثا تقومُ ببعضِ الأبحاثِ وتفحصُ بعضَ الموادِ بواسطةِ المجهرِ الذي جلبته من البيتِ القديمِ ثم فجأةً تبتسمُ مارثا وتبدو سعيدةً على الرغمِ من صعوبةِ الظروفِ التي مرّت بها مؤخراً.

مارثا : مستحيل ! لم أكن أعرفُ أن ذلكَ ممكنٌ !

لكن فرحةَ مارثا لا تكتملُ حيثُ أنّها تنظرُ إلى مفاصلِ أصابعِها وتجدُها قد أصبحت حمراءَ اللونِ ...

.
.
.

_ ثم في أحدِ الأيامِ تكونُ ريبيكا شاردةً وتفكرُ فيما قاله الظلُّ "يجب عليكِ الحصولُ على قوةِ عملاقٍ آخر" وتحاولُ استيعابَ ما قال، ثم تتذكرُ أن والدتَها قاطعتها بينما كانت تتعالجُ، لذلك تذهبُ إلى الفراشِ وتغرزُ الجذور في رأسها وتستغرق في النوم .... في اليوم التالي تستيقظ وتذهب لأمها -التي صارت تضع قفازاتٍ.

ريبيكا : أمّي ... أريدُ أن .... أتعلم ... علّميني القراءةَ ... والكتابة ...

تنظرُ إليها مارثا بنظرةٍ فيها شيءٌ من السعادةِ، وبعدَ قليلٍ تخرجُ نفسَ الكتابِ الذي وجدتهُ سابقا واسمُه هو "الفردوس".

.
.
.

_تقرأُ مارثا لابنتها أحد أجزاء الكتاب " لقد وُكّلَ بريموثيوس بمهمةِ خلقِ البشرِ وأمّا أبثيموس فبمهمةِ خلقِ الحيواناتِ"

.
.
.

_ ريبيكا تقوم بالتدريبِ وتدمّرُ كل الأشجارِ حولَها ومارثا تنظرُ إليها من بعيدٍ ويعتريها القلقُ، ثم تنظرُ إلى الأرضِ وترى طائراً ميتاً.

.
.
.

_ مارثا تقفُ عندَ الشرفةِ وقد غطّت كلَّ جسدِها باستثناءِ وجهِها ووضعَت وشاحاً وهي تراقبُ الأجواءَ التي صارت ضبابيةً بعضَ الشيءِ.

.
.
.

_تقرأُ ريبيكا : "وفي النهايةِ تمَّ إرسالُ آدم وإيفا -حواء- إلى عالمِ البشرِ لأنَّهما عصَيا أمرَ الإله" .

مارثا بفرحٍ : أحسنتِ يا بطلَتي ! لقد قرأتِ عشرَ صفحاتٍ بدون أيِّ تلكؤٍ أو خطأٍ لفظي، لقد عرفتُ أنه سيمكنكِ فعلُها يوماً ما !

ريبيكا : أمّي ... كيفَ جئنا إلى هذا العالم؟ هل صنعَنا إلهٌ مثلَما يقولُ الكتاب؟

مارثا : هذا ما يظُّنه بعضُ الناسِ ووالدكِ لديهِ معتقداتٌ مشابهةٌ لذلك، لكنَّ الحقيقةَ هي أمرٌ مختلفُ عن ذلكَ كثيراً ...

ريبيكا : أمّي ... هل يمكنكِ شرحُ ذلكَ لي ؟

مارثا : حسنٌ، الحقيقةُ هي أنَّ كلَّ البشرِ والحيواناتِ والنباتاتِ ينتمون لشجرةِ عائلةٍ كبيرة، الأمُّ الكبرى كانَت محضَ خليّةٍ وحيدةٍ وبعدَها صارَت تتكاثرُ وذرّيتها يتطورون شيئاً فشيئاً حتى وصلنا إلى مستوى تطوّرنا المعقَّد الحالي، نحنُ أنفسنا قد انحدرنا من أسلافٍ أقلِّ تطوراً وهم يسمّون بالإيب ...

تحاولُ ريبيكا استيعابَ الأمر : الإيب ؟

مارثا : صحيح، إذاً أيُّ الإجابتين تظنّينَ أنها مقنعةٌ أكثر ؟ التطورُ أم الإله ؟

تفكرُ ريبيكا للحظاتٍ ثم تجيبُ بلا تردد : الإله !

تحطمُ الإجابةُ قلبَ مارثا ثمَّ تجيبُ بابتسامةٍ : حسناً كما تشائين، أريدكِ أن تتخذي قراراتِك الخاصةِ في الحياةِ بنفسكِ بدونِ أي إجبارٍ.

ثم بعد قليلٍ تتصفحُ ريبيكا في الكتابِ وتجدُ أن قسماً كبيراً من الكتابِ ممزقُ الصفحاتِ، تنتقلُ ريبيكا للفهرسِ لترى عنوانَ الجزءِ الضائعِ من الكتاب، تتفقد ريبيكا الفهرس وتعرفُ عنوانَ الجزءِ الضائعِ بالفعل.

ريبيكا : أمّي ... هل يمكنكِ إخباري ... من هم الإلديان ؟

.
.
.
.
.
.

_ ريبيكا في وقتٍ لاحق تتدرب وتواصلُ تدمير الأشجار ...

ريبيكا : أنا قوية ... أنا قوية ... سوفَ أقتلهم جميعاً !

.
.
.
.
.
.

تأتي مارثا إلى ريبيكا في أحد الأيامِ وهي ترتدي قناعاً .

مارثا : هيي ريبيكا إنظري لقد وجدتُ هذا القناع في بيتنا القديم ،أليس لطيفاً ؟ لقد قامَ أخوكِ جيم بصناعته لي بمناسبة عيد القديسين ، والآن أظنُّ أنني لن أخلعه أبداً !

ريبيكا تنظرُ إليها باستغراب ...

.
.
.
.
.

_ ريبيكا تلاحظُ تغيراتٍ في بنيةِ جسدها -بسبب البلوغ- وبعدها تنظر للخارج لترى أن الضباب الخفيف لم ينقشع منذ عام !

.
.
.
.
.
.
.
.

_ريبيكا ومارثا -ترتدي القناع- تقفان بصمتٍ عند قبر جيم لزيارته ، ثم تنهار مارثا على الأرض باكية ...

.
.
.
.
.
.
.

_ريبيكا تجد ورقةً في إحدى زوايا المنزل تفتحها وتجد عليها الأرقام 2201/7/19

.
.
.
.
.
.
.

_ريبيكا ترى مجموعة من الطيور ميّتةً ميتةً جماعية !

.
.
.
.
.
.
.
.
.
.

_ريبيكا غاضبةٌ وتتشاجرُ مع أمها بشأنِ أمرٍ ما وتشيرُ إلى قناعِ والدتها ثم تخلعُ القناع من وجه أمّها لتتفاجأ بما تراه ، بعدها تذهبُ ريبيكا إلى الفراغ وتبدأُ بالمناداة.

ريبيكا صارخة : أيهاااا الظل !  أيهااااا الظل ! ...

لا إجابة.

ريبيكا صارخة : إن أمّي مريضةٌ ولا يمكنني علاجُها بالقوة التي منحتني إيّاها ، هل تعرفُ السبب ؟!

لا إجابة.

ريبيكا بصوتٍ أعلى : أيهااااا الظلللل !

~~~~~~~~~~~~~~~

ثم في أحدِ الأيام تخرجُ ريبيكا من المنزلِ وتهمُّ مارثا للّحاقِ بها ، لكن ريبيكا تمنعُها ...

مارثا (لا تزال ترتدي القناع): يمكنني الخروج، أنا لستُ بهذا العجز -تسعل-.

تنظر ريبيكا إليها بنظرةٍ مخيفة : لا، ستبقين في الداخلِ وستستريحين، وإلّا سأغضبُ جداً ! .

مارثا : ...

ثم تتركها ريبيكا وتهم لمغادرة الغرفة وتراقبُها مارثا وهي خارجة.

تنظرُ ريبيكا إلى والدتِها مجددا : سنخرجُ من هذه الجزيرة قريبا !

ثم تقفز ريبيكا من الشرفة وتتحول إلى عملاق.

ثم تبدأ باقتلاع الأشجار لبناءِ سفينة ، وتحاولُ كثيراً لكنَّ جميعَ السفنِ التي تصنعُها تنتهي رديئةَ الصنع.

تمرُّ الأيامُ وتستمرُّ ريبيكا بالعنايةِ بأمّها التي تزدادُ حالتُها سوءاً شيئاً فشيئاً وتذهبُ ريبيكا للفراغِ عدّةَ مرّاتٍ لكن بلا فائدةٍ والظلُّ لا يجيب عليها أبداً.

وبعد مرورِ مدّة ، تتمكن ريبيكا من بناءِ سفينةٍ متقنة وتبحرُ لمسافةٍ بعيدة ولكن فجأةً تحطّمُها الرياح والأمواج وتجبرُ ريبيكا على السباحةِ كل مسافة العودة.

تسبحُ ريبيكا باتجاه الضفّة بالفعل وعندما توشكُ على الوصول تجدُ ذلك الكلبَ الذي رأته عند قبر أخيها يحدّقُ فيها عند الضفة، ولكن هذه المرة يبدو حجمه أكبر من المرة السابقة، ويغادرُ قبل أن تصل ولكن بطريقةٍ غريبةٍ جداً حيثُ يقفُ على طرفيه الخلفيين ويمشي مثل البشر هارباً بعيداً !

تحس ريبيكا بالريبة وعندما تصلُ للضفةِ تنظرُ باتّجاه المنزل فترى دخاناً يصعدُ على شكلِ إشارةٍ من هناك ...

تعود للمنزلِ بالفعل وتجد أمّها على الفراشِ وهناك كعكةٌ رديئة الصنعِ موجودةٌ على الطاولةِ.

ريبيكا : هل هناك شيءٌ ما ؟

مارثا : لقد اعددتُ لكِ كعكةَ التوتِ المفضلةَ لديكِ، ما رأيكِ ان تستريحي قليلاً من العمل ولنأكلها معاً !

تسكنُ ريبيكا للحظاتٍ ثم تستدير وتهم للخروج من المنزل.

مارثا : لا لا .. لا تذهبي، أرجوكِ إبقي لنتحدث قليلاً فقط !

تقف ريبيكا وتنظر للأرض بشيء من الغضب : لقد أخبرتكِ أن ترسلي إشاراتٍ دخانيةٍ في الحالاتِ الطارئةِ فقط !

مارثا : لكننا بالكادِ نتحدث مع بعضنا مؤخراً -تسعل- أشعر بوحدةٍ كبيرةٍ وأريد التحدث معك.

ريبيكا : الآن أهم شيءٍ هو بناءُ السفينةِ ومغادرتُنا لهذه الجزيرة، سأذهبُ لاستكمال البناء ولا ترسلي لي أيَّ إشاراتٍ كاذبةٍ مجددا !

وتهم ريبيكا للمغادرة من جديد.

مارثا : ريبيكا، أنا ... أنا لا أظنُّ أنه قد بقي لدي الكثيرُ من الوقتِ في هذا العالم ...

تستدير ريبيكا وتنظر إليها بتفاجؤ، يعم الصمت في المكان ، ثم ريبيكا تنظر نظرة حزينة للأرض ...

.
.
.
.
.

تمرّ عدّة أسابيع وريبيكا جعلت جلّ وقتها في العناية بوالدتها التي حالتها صارت سيئة جداً لدرجة أنه لم يعد بمقدورها تحريكِ أي ساكنٍ بسهولة، جلدُها بالكامل قد التهبَ بشكلٍ مخيفٍ وكأنها عجوزٌ في الثمانين من عمرها وقد خلعت القناع والآن تضع خرقةً نظيفةً على عينيها وهي مستلقيةٌ على فراشها وتلف عنقها بوشاح، وريبيكا جالسةٌ جانبها وجذورٌ تخرجُ من أصابعِها وتتوزعُ في أنحاءِ جسدِ مارثا محاولةً معالجتَها، والعداد بجانبهم يشير لرقم 16.29 ...

تتحدث ريبيكا بلهجةٍ وكأنّها على وشكِ البكاء : لستُ أفهم، لماذا لا أستطيعُ معالجتك !

مارثا بصوتٍ فيه بُحّة : إن الضبابَ بشكلٍ ما يسببُ إلتهابَ جسدي بهذا الشكل، ويبدو أنّه من الصعبِ على خلاياكِ العملاقيّة مواكبةُ ذلك ومعالجته.

ريبيكا وهي في غاية الحزن : لا !  لا بدَّ من وجود طريقة ما، لا أريدكِ أن ...

تضع مارثا يدها على يد ريبيكا.

مارثا : ريبيكا، توقّفي عن المعالجة، أريد أن نتحدث في أمر ما ...

تخرجُ ريبيكا الجذورَ وعيناها قد اغرورقت بالدموع : عن ماذا تريدين أن نتحدث ؟

مارثا : انت تعرفين،  ربما سأغادر هذا العالم قريباً، لذلك دعينا نتحدثُ بعض الأحاديثَ الصريحةِ بيننا ...

تنزلُ دمعةٌ من عين ريبيكا.

مارثا : هلّا خلعتِ لي قفازي هذا ؟

تخلعه ريبيكا من يدها بالفعل ، ثم تضعُ مارثا يدها الغليظة على خدِّ ريبيكا التي تنزل دموع من عينيها وتمسحهم مارثا لها.

ريبيكا بتردد : هناك شيءٌ لطالما أردتُ أخبارك به لكنّي لم أتمكن من ذلك، في ذلك اليوم، أخي ... أخي  جيم -تغمض ريبيكا عينيها وتصك على أسنانها - أنا من فعلها، أنا من أنهيتُ حياةَ جيم !  أنا من التهمته ! أنا آسفة،  لم يكن لدي خيار ... آسفة ... آسفة ... آسفة.

تفتحُ ريبيكا عينيها وتجدُ أن والدتها هادئةٌ جداً ولا زالت تمسحُ على خدّها...

ريبيكا : أمي ؟!

مارثا : أنا ووالدكِ ، لقد كنا نعرفُ ذلك منذ البداية.

ريبيكا بتفاجؤ : ماذا ؟!

مارثا : كانت آثارُ فمِّ العملاقِ واضحةً على جثةِ جيم ، لقد كنا مصدومين حينها،  لكن كنا متأكدين أنّه سوء فهم ما بسبب حزنِك الشديدِ على جيم حيثُ أنكِ لم تتركي قبره لشهرٍ كامل !

بعد سماع ريبيكا هذا تنفجرُ بعدها مباشرةً مفضفضةً عمَّ في داخلها بلهجةٍ باكية.

ريبيكا : لقد أخبرني ذلك الظلُّ الذي أعطاني قدرة التحول لعملاقٍ أنّه كلّما كان أحدُ أفراد عائلتي على وشك الموت سيعطيني قوةً جديدة، ولم أكن أريدُ أن أخسرَ والدي وجيم في نفس الوقت لذلك اخترتُ أن انقذ والدي بعدما أوشك أخي على الموتِ بسبب تلك الصخرة .....

تستمرُّ مارثا في المسحِ على خد ريبيكا وتسألها : هل يمكنكِ شرحُ كل ما حصل معك مع ذلك الظل منذ البداية ؟

ريبيكا تتنهد ثم تبدأ بروي كل ما حصل معها من اليومِ الذي وجدت فيه الشجرة، ومارثا تستمعُ إليها وفيها شيءٌ من التفاجؤ، وبعد أن تنتهي ريبيكا من روي قصتها تفكر مارثا قليلاً ثم تسألها.

مارثا: وهل يمكنه منحك أي قوةٍ تريدينها ؟ هل هناك قوة تجعلك قادرةً على السباحة وعبور المحيط ؟

ريبيكا : لا أدري، أظن ذلك ...

تفكر مارثا لبعض الوقت ثم تنظر إليها : ريبيكا ... أريد أن أطلب منكِ طلباً صعباً عليكِ، أنا أريد منك أن ("...")

تقول مارثا لريبيكا شيئا ما وتتغير نظرات ريبيكا إلى التفاجؤِ والصدمةِ وتُسقطُ الكأس الذي كانت تحمله !

ريبيكا تروي : "لقد رفضتُ عرض أمّي بشدّةٍ في البداية، لكنني بعد فترةٍ بدأتُ أشعرُ بألمها ومعاناتها الشديدة،  لذلك كان عليَّ القبولُ في النهاية "

.
.
.
.
.
.
.

ثمَّ جاء اليوم الموعود واستمرّت الأم وابنتها بالكلام والتحدث عن أيامهم الجميلة عندما كانوا أربعتهم لا زالوا معاً، وريبيكا لم تتمكن من إخفاء تأثّرها طوال هذه المحادثة، ثمَّ عند اقتراب الغروب تقف ريبيكا عند الشرفة ثم تقول لها والدتها : ريبيكا، لقد حان الوقت !

بعض ملامح الحزنِ في وجه ريبيكا، ثم تنظرُ للأجواء البرتقاليةِ بسبب الغروب والتي يتخلّلها بعضُ الضباب، تشعر ريبيكا بأنَّ الزمنَ متوقفٌ في هذه اللحظة وأن نهاية العالم قد حانت بالفعل ...

ثم بعد قليل تتجه إلى والدتها، الباقي لا تتذكره جيدا، لكنها حملت والدتها إلى مكان ما ثم تحولت إلى عملاقٍ ثم حملت والدتها ووضعتها في فمها.

مارثا بابتسامة : اعتنِ بابنتي جيداً ... آري...

يتم التهامها ...

ثم تخرج ريبيكا من العملاقِ وتبدأُ البكاءَ بأعلى صوتها .....

 


أنت الان في اول موضوع

تعليقات

تعليق واحد
إرسال تعليق
  1. متى بنزل الفصل الثالث لفجر آمبر؟

    ردحذف

إرسال تعليق

التنقل السريع