القائمة الرئيسية

الصفحات

العملاق المهاجم فجر إمبر: الفصل الأول

 


ضائعة، جائعة، مرهقة، تمشي بصعوبةٍ مستندةً بعصا ويمشي بجوارها كلبها، تنظرُ يمنةً ويسرةً لكنها لا تجدُ حولها إلا أشجاراً كثيفةً وغابةً لا نهايةَ لها.

 

وفجأةً تلمحُ شيئا أزرقَ على الأرضِ فتلقي نفسها عليه بشكلٍ لا أرادي ولكن تظهرُ أنّها مجرّد زهرةٍ بيضاءَ واللونُ الأزرقُ هو مجردُ تخيلاتٍ رسمها عقلُها الباطني .

نظرةٌ حزينةٌ تظهرُ أسفلَ شعرها الأسودِ وهي تحدّق في الزهرةِ البيضاءِ وتنزلُ دموعٌ من عينيها .

وفجأةً تشعرُ بلسعةٍ وكهرباءَ تسري في جسدها، ثم يليها ألمٌ شديدٌ مفاجئ، تنظرُ إلى رجلها وإذ هي بأفعى تعضُّ رجلها ! وبرعبٍ تمسكُها الفتاة وتلقي بها بعيداً وبعدها تصرخُ بقوةٍ ألماً، ينقضُّ الكلبُ على الأفعى ويقتلُها وأمّا الفتاةُ فتربطُ أسفلَ ركبتِها بقطعةٍ من ملابسِها وهي تحاولُ أن تكتمَ صرخَتها ...

 

وبعدَها تقفُ وتكملُ المشيَ بصعوبةٍ بشكلٍ بطيء، وبعد أن تقطعَ عدةَ أمتارٍ تحسُّ بدوارٍ وغثيانٍ، وبعدَ عدّة  دقائقَ تسقطُ على الأرضِ وتغمضُ عينيها ويغمى عليها ...

 

.

.

.

.

.

.

.

 

ثمّ ترى حلماً غريباً حيثُ ترى نفسَها تحلِّق بينَ مبانٍ وتطلقُ حبالاً وتشم رائحة غازٍ ...

.

.

.

.

.

.

.

.

 

وبعد مدةٍ تستيقظُ على لعقِ كلبِها لرأسِها ... لا تزالُ تحسُّ بنفسِ الألم، ترفعُ رأسَها ثم ترفعُ جسدَها متحملةً الأوجاعَ لكي تواصلَ رحلتَها ! لكنها بعد أن تقفَ مباشرةً فجأةً تلاحظُ شيئاً ما يتحركُ بينَ الحشائشِ ...

.

.

.

.

.

 

ثم بعدَ مدةٍ تجدُ الفتاةُ نفسَها مقابلةً لشجرةٍ عملاقةٍ وهناكَ مجموعةٌ من الطيورِ تدورُ حولَها، تصلُ إلى داخلِ الشجرةِ وتأخذُ نظرةً فاحصةً إلى الداخلِ ثمَّ تتقدمُّ قليلاً لكن فجأةً تنكسرُ فيها بعضُ الجذورِ وتسقطُ في حفرةٍ عميقةٍ ثمَّ في بركةِ ماءٍ وتغوصُ إلى الأسفلِ شيئاً فشيئاً، تنظرُ إلى الأعلى وترى النورَ يختفي شيئاً فشيئاً وأنفاسُها على وشكِ النفاذِ، ثمَّ من داخلِ الظلامِ تلمحُ شيئاً أبيضَ شريطيّاً مضيئاً وله عدّةُ مجساتٍ، يقتربُ منها ببطءٍ حتى يصلَ إليها ويلفَّ مجسّاتِه حولَها ويستحوذُ على جسدِها ...

ثم فجأةً يظهرُ برقٌ أصفرٌ وتظهرُ عدّةُ مشاهدَ :

 

_رجلٌ قاسي الملامح يرتدي ملابسَ ضابطٍ ويتكلمُّ مع إمرأةٍ جميلةٍ ذات شعرٍ أسودَ طويل ...

 

_طفلٌ/ةٌ رضيعٌ مرميٌّ أرضاً وتوجد دماءٌ على رأسهِ ونفس الرجل السابق ينظرُ إليه مذعوراً وتوجدُ امرأةٌ عجوزُ بجانبه وملامحُ وجهِها باردةٌ للغاية ...

 

_الرجلُ مريضٌ ومستلقٍ في فراش و المرأة ذات الشعر الأسود تشيرُ إلى صورةِ وردةٍ زرقاءَ في كتاب ...

 

_ صورةُ طائرٍ غريبٍ لا مثيلَ لهُ في هذا العالم ! ...

.

.

.

.

.

.

.

.

 

صوت : هكذا إذاً ....

.

.

.

.

.

.

.

.

.

 

تفتحُ الفتاةُ عينيها وترى سماءَ ليلٍ صافيةٍ ... تتعجبُ الفتاةُ وتجلسُ وتنظرُ حولَها ولا تجدُ إلا صحراءَ خاوية ولا تجدُ كلبَها .

وبعدها تبدأُ تحسُّ بإحساسٍ غريبٍ؛ إحساسٌ منعشٌ وكأنَّ الحياةَ تدبُّ في جسدِها بأكمله، تقفُ فتجد أنَّه لا توجدُ لديها صعوباتٌ في الوقوفِ والتحركِ ! وقد اختفى شعورُها بالجوعِ والتسمّم أيضا !

ثم فجأةً يظهرُ صوتٌ غريبٌ ومخيفٌ وكأنَّه يأتي من كلِّ مكانٍ : لقد مشيتِ عشراتِ الأميالِ بدونِ توقفٍ، الطعامُ والماءُ قد نفذا من عندكِ منذُ يومينِ، صار لديكِ تورّمٌ ملحوظٌ في رجليكِ نتيجة المشي الكثيرِ ومع ذلكَ لا زلتِ ترغبين بالمواصلة ! .

ترى الفتاةُ ظلّاً لشخصٍ يقفُ بعيداً .

 

الصوت : أهلاً بكِ في الفراغ ! .

 

تشعر الفتاةُ بالذعرِ وتبدأُ بالجريِ بعيداً عن ذلك الظلِّ وتستمرُّ بالجريِ لعدّةِ دقائقَ .

 

الصوت : لا فائدة ! .

 

تتعثرُ الفتاةُ وتسقطُ أرضاً، ثم تفتحُ عينيها وترى زهرةً زرقاءَ أمامَها مباشرةً وتقطفُها مباشرةً .

 

الصوت : أهذا ما تريدينَه ؟

 

الفتاة : أ...أجل ...

 

ثمَّ تلمحُ زهرةً أخرى قريبةً وتسرعُ لقطفِها وبعدَها مباشرةً تجدُ واحدةً أخرى قريبةً وتستمرُ بالقطفِ حتى تصطدمَ بشخصٍ ما، تنظرُ إليه فإذ هو بطفلٍ عاديٍّ بعمرِها لكن أعينَه سوداءُ غيرُ واضحةٍ، تتراجعُ الفتاةُ إلى الخلفِ قليلاً معَ بعضِ الذعرِ .

الصوت : لا داعيَ للذعر، يا ريبيكا .

 

ثمَّ يظهرُ الولدُ يدَه المخبّئةَ خلفَه فتتفاجأُ الفتاةُ بباقةٍ من الورودِ الزرقاءِ في يدِه فتحملُها كلّها ! .

 

وفجأةً يظهرُ ضوءٌ قويٌ في السماءِ، تنظرُ الفتاةُ إليهِ ويخفتُ شيئاً فشيئاً ليتحولَ إلى نجمةٍ لكنها ساطعةٌ بالمقارنةِ معَ باقي النجومِ، وتنظر الفتاة إليها باستغراب .

 

الصوت : تلكَ النجمةُ هي انتِ ! .

 

تستديرُ الفتاةُ فتجدُ أنَّ الفتى قد اختفى ! ثمَّ تنظرُ إلى يديها لتجدَ أنَّ الزهورَ قد اختفت أيضا ! .

 

الفتاة : ال...زهور ... !

 

الصوت : سوفَ تحصلينَ عليها مجدداً، لكن الآن يوجدُ هناكَ أمرٌ أهم، الآن سيتوجّبُ عليكِ أن تختاري.

 

وفجأةً تظهرُ صورتان؛ واحدةٌ على اليمينِ وفيها صورةُ قبرٍ و وهناكَ ثلاثةُ أشخاصٍ حزينينَ حولَه، والأخرى على اليسارِ وفيها صورةُ عائلةٍ من أربعةِ أشخاصٍ جالسينَ على مائدةٍ معاً ويبدون سعيدين .

 

تفكرُ الفتاةُ للحظاتٍ ثم تتركُ الصورةَ التي على اليمينِ وتبدأُ بالمشيِ باتجاهِ الصورةِ التي على اليسار، لكن عندما توشكُ على الوصول إليها تختفي الصورةُ وتصيرُ الفتاةُ في مكانٍ مليءٍ بتماثيلَ عملاقةٍ ! كل واحد منهم له شكل مختلفٌ ورهيب ! تنظرُ الفتاةُ حولَها بجمودٍ وبشيءٍ من الرعبِ .

 

الصوت  : الآن إسمعيني جيداً وبتركيزٍ كبير، الزهورُ التي أعطيتكِ إياها غير حقيقيةٍ، سيتوجبُ عليكِ العثورُ على الحقيقيةِ بنفسكِ، لذلكَ سأعطيكِ قوةَ أحدِ العمالقةِ لكي تتمكني من إيجادها، لذلكَ سيتجّوبُ عليكِ اختيارُ واحدٍ من هذه العمالقةِ المميزة !

 

تحدقُ ريبيكا بحيرةٍ وخوفٍ بين هذه التماثيلِ العملاقةِ ثم فجأةً يختفونَ جميعُهم ويبقى ثلاثةٌ منهم فقط .

 

الصوت : هؤلاء العمالقةُ ثلاثتُهم ممتازونَ ولديهم قدرةٌ عاليةٌ على الشمِّ وهذا ما ستحتاجينَه حاليّاً، والآن يمكنكِ اختيارُ واحدٍ منهم، وتذكّري ... هذا الاختيارُ سيدومُ معكِ حتى مماتكِ لذلكَ إختاري بحرصٍ .

 

تنظرُ ريبيكا بين العمالقةِ الثلاث ثم تختارُ العملاق  الذي على اليسار.

الصوت : اخترتِ أقلّهم ملامحاً وحشيةً، حسناً إذن .

بعدها يبدأُ كلُّ شيءٍ بالاختفاءِ .

 

الصوت :أحسني استخدامَ هذه القوة؛ وإنظري إلى يدكِ عندما تخرجين .

 

يتدمّرُ جذعُ الشجرةِ وتسقطُ الشجرةُ أرضاً ويظهرُ عملاقٌ مهيبٌ صارخاً صرخةً مرعبةً، ثمَّ تنظرُ ريبيكا العملاقة حولَها بالقربِ من رجلِها فتجدُ أنَّ كلبها قد مات، تحدّقُ فيه للحظاتٍ بحزنٍ ثمَّ بعدها تفتحُ يدَها فتجدُ فيها إحدى الزهورِ الزرقاء، تقبضُ يدَها ثم تبدءُ المشيَ ...

.

.

.

.

.

.

 

في مكانٍ ما آخر يقفُ ولدٌ ما حامِلاً منظاراً يقفُ في مكان عالٍ ويراقبُ الأرجاءَ .

الفتى : سأضربُ تلك المتهورةَ ضرباً مبرحاً عندما أراها مجدّداً .

لكن فجأةً يلاحظُ الولدُ أن الطيورَ بدأَت تتصرفُ بغرابةٍ وبدأَ يشعرُ بهزاتٍ والأشجارُ أصبحت تسقطُ، وبعدها يرى ذلك الشيء ثم يملؤُه الرعبُ ويرمي المنظارَ ويصرخُ : أميييي! ، أبيييي !

الأمُّ تخرجُ لترى ماذا به ابنُها وتوجَد على وجهِها ملامحٌ حزينةٌ -والأمُّ هي نفسُ المرأة التي ظهرت في المشاهدِ في الفراغ-  فتتفاجأُ بعملاقٍ مرعبٍ طولُه أكثرُ من 15 متراُ يقتربُ ليقفَ أمامَها ويتلفّظُ بكلماتٍ غريبةٍ بصوتٍ أكثرَ رعباً : "أواااا رياووااا أويووو" ثم يفتح يده أمامها ليظهر أنها مليئة بالتراب .

 

والأمُّ تتسارعُ دقّاتُ قلبِها وأنفاسُها وهي تنظرُ لهذا الشيءِ 

 

عاجزةً عن الكلامِ، ثمَّ يصلُ الولد إليها : أمّي !!

 

وبعدَها يخرجُ الأبُ من البيتِ وهو لم يكمل ارتداءَ ملابسهِ حاملاً معهُ بندقيةً - والأبُ هو ذاتُ الرجلِ الذي ظهرَ في المشاهدِ في الفراغِ- ينظرُ الرجلُ إلى العملاقِ الذي يقفُ أمامَ زوجتِه ثمَّ يصرخُ :"مارثا !"

 

يقفُ أمامَ العملاقِ ويطلقُ عليهِ عدّةَ رصاصاتٍ على وجهِه، يصرخُ العملاقُ بأصواتٍ غريبةٍ ومخيفةٍ تثيرُ فزعَ الثلاثةِ ثمَّ يسقطُ العملاقُ على الأرضِ بلا سبب وتصدرُ منه أدخنةٌ .

 

الأب : لم أتوقّع أنّها كفيلةٌ بقتلِه، هل أنتِ بخير؟ أينَ هو جيم ؟

الولد : أنا هنا أبي، وأنا بخير !

 

ثم يقتربُ جيم من يدِ العملاقِ ويتفحصُّها .

 

تُلقي مارثا نفسَها على الأبِ : نيلز ! أنا خائفة !

 

نيلز : ما كانَ هذا الشيءُ بحقِّ الجحيم ! .

 

جيم بتفاجؤ : إنظروا ماذا وجدت !

 

ثم يخرجُ جيم بعض الزهورِ الزرقاء من الترابِ الموجود في يدِ العملاق .

 

نيلز : مستحيل ! كيفَ أمكنَ هذا !

 

ثمّ تتحلّلُ مؤخرةُ رأسِ العملاقِ وتسقطُ منه جثةٌ .

 

نيلز : ما هذا ؟

 

ثم يقتربُ جيم من الجثة .

 

جيم : لقد عرفت،  إنه... إنها (يتفاجأ)... إنها ريبيكا !!

 

ما إن تسمعَ مارثا ذلك تتركُ نيلز وتركضُ بلا وعيٍ وهي تهمس : "ريبي... ريب... "، تصلُ إلى الجثةِ وتتفحصُ النبضَ وتجدُه سليماً ويحتضاناها هي وجيم ويصرخان "ريبيكااا"

 

نيلز ينظرُ من بعيدٍ قليلاً وهو مصدومٌ وسعيدٌ بنفس الوقت، ثم يبتسمُ : ريبيكا، لقد عدتِ !

 

ثمّ يسقطُ نيلز أرضاً متعباً من المرض .

.

.

.

.

.

.

.

.

_ مشهدٌ لريبيكا في السريرِ وأمُّها جالسةٌ بجانبِها .

 

_مشهدٌ لريبيكا مستيقظةٌ وتحاولُ أن تشرحَ لأبيها وأمها شيئاً ما .

_مشهدٌ لريبيكا على شكلِ عملاقٍ وأبوها يقومُ بقياسِ أبعادِه والأمُّ تفحصُ شيئاً ما بالمجهرِ .

 

_مشهدٌ للعملاقِ يقومُ بالبناءِ وآخرٌ حيث يقومُ بالحراثةِ .

 

_مشهد حيث الأربعة جالسين معا ويحتفلون بعيد ميلاد ريبيكا ال11 ، وهو ذات المشهد الذي رأته ريبيكا في الفراغ .

 

ومرت الأيام ....

 

.

.

.

.

.

.

.

 

يشربُ نيلز شراباً بنفسجيَ اللونِ : أح ، لقد بدأتُ أعتادُ على هذا الطعمِ، من كانَ يعرفُ أن العلاجَ الطبيعيَّ سيكونُ أفضلَ من العلاجِ التقليديِّ في النهايةِ .

تضعُ مارثا قطعةً من اللحمِ على صفيحةٍ وتقومُ بالتقطيرِ عليها .

مارثا : لا تنسى أنّه توجد لديكَ أفضلُ زوجةٍ كيميائيةٍ هنا ! بالإضافةِ إلى أفضلِ ابنينِ جامعينِ للموادِ الطبيعيةِ من ممكنِ أن تحصلَ عليهما !

 

يقتربُ نيلز من مارثا ويضعُ يدهُ على يدِها .

 

نيلز : بالطبع، كيفَ بإمكانيَ أن أنسى ! .

 

تنظرُ إليه مارثا وتبتسم ، ثمّ ينظرُ نيلز إلى لحمِ العملاقِ الموجودِ على الصفيحةِ .

 

نيلز : إذاً ، هل من تطورات ؟

 

مارثا : اللحمُ عديمُ الطعمِ وفيهِ بعضُ السميّة ويختفي بعدَ أقلّ من ساعةٍ بعدَ فصلِه عن العملاقِ مهما كانَت ظروفُ التخزينِ، لحمٌ وعظمٌ يخلقُ من الهواءِ مباشرةً أشعرُ أنّنا في قصةٍ خياليةٍ تنافي المنطقَ كليّا وتشبهُ تلك القصصَ التي تكتبُ للمراهقين ! ربّما من الأفضلِ أن أصبحَ مؤمنةً بالديانةِ الآزوسيةِ مثلكَ وسأؤمن بهذا بجانبِ إيمانيَ بالجنِّ والعفاريت .

 

يضحك نيلز : أظن أن ذلك سيكون عظيما بالفعل ! 

 

تنظرُ مارثا إلى نيلز بعبوس ، ثمّ تختفي الابتسامةُ من وجهِه وينظرُ إلى زاويةٍ ما من الغرفةِ .

 

نيلز : كلّما سألنا ريبيكا عمّا حصلَ لها تكونُ إجابتها هي الكلماتُ الآتية : نجمة، عمالقة، ظل، مخيف، طفل، وأمورٌ من هذا القبيل، هراء ! فقط لو كانت ابنتُنا عاقلةً كان ذلكَ ليسهل علينا الكثيرَ من الأمور .

 

ثمّ تسحبُ مارثا يدها من يدِ نيلز .

 

مارثا : إن ابنتنا عاقلة !

 

ينظرُ نيلز إليها نظرةً استنكاريةً ثمّ ينظرُ إلى النافذةِ ويواصلُ الكلام : بأي حال، أيّا كان ذلكَ الشيءُ فقد ساعدَنا كثيرا وربّما يكونُ هبةً لنا منَ السماءِ بعد أن تركنا الجميع !

.

.

.

.

.

.

 

في هذا الوقتِ تقومُ ريبيكا بهيئةِ العملاقِ باقتلاعِ بعضِ الأشجارِ من الغابة عندما تظهرُ طائرةٌ حديثةٌ غريبةٌ تحلّقُ بسرعةٍ فوقَ الغابةِ .

جيم : ريبيكا انخفضي !

 

ثم تختبئُ ريبيكا العملاقةُ بسرعةٍ بين الأشجارِ ويسقطُ جيم من ذراعها وتُجرحُ يده .

 

ثم  بعد فترةٍ يقومُ جيم بتضميدِ يده .

 

جيم : لا بأس، الأمرُ المهمُ هو أنّه لم يلمحنا أولائكَ الجنود، لا نعلمُ نوعَ المشاكل التي قد تصيبُنا في حالِ رؤونا .

 

تشتمُّ ريبيكا رائحةَ الدمِّ من ذراعِ أخيها، فتقتربُ منه وتبدأُ بفتحِ فمها العملاق .

 

جيم : لقد جمعنا ما طلبَته أمّي اليوم، أظنُّ أنَّه قَد حانَ وقتُ العودةِ .

 

ثمَّ ينظرُ خلفَه ويرى أن ريبيكا تفتحُ فمّها قربَه .

 

جيم : ريبيكا ... ما الذي تفعلينَه ؟

 

تغلقُ ريبيكا فمَها مباشرةَ وهي نفسَها لا تعرفُ لماذا فعلت ذلك !.

جيم : لا وقتَ للتصرفاتِ الغريبةِ الآن ، هيّا انخفضي لأصعدَ على يدكِ ولنعد للمنزل .

.

.

.

.

.

.

.

 

يقفُ الوالدان في الخارجِ وهما يراقبان العملاقَ قادمٌ من بعيد ويحملُ معه حزمةً من الأشجارِ .

مارثا : فقط لو كانت ملامحُ وجهِه ألطفَ قليلا .

 

نيلز : نعم أتفقُ معك، ربّما يجبُ أن أصمّمَ له قناعاً أيضا .

 

مارثا : ....

 

يصلُ العملاقُ وينزلُ جيم من يدهِ ويسقطُ العملاق أرضا لتخرجَ منه ريبيكا مع علاماتٍ تحتَ عينيها ويقترب الوالدان ليطمئنّا عليهما .

 

مارثا : أحسنتما صنعا يا بطلاي .

 

جيم : لقد جلبت ما طلبتِه مني، لكن الإصابةَ بمرفقي جعلت الأمرَ صعبا قليلاً، وكدتُ أتعرّضُ اليومَ لكسرٍ آخر عندما سقطتُ من يدِ العملاقِ .

 

الأب : بعدَ اليومِ لن يحصلَ مثلُ هذا مجددا، أنظر هناك .

 

ينظرون فيرون مقعداً خشبياً محاطاً بأحزمة .

.

.

.

 

بعد قليلٍ يدخلون إلى المنزلِ وتبقى مارثا تنظرُ إلى عدّادٍ موجودٍ على الجدار وعليه رقمُ 6.72 ، ثمَّ تتبعهم بالدخول .

يجلسُ الأربعةُ على المائدةِ لتناولِ الغداءِ، ومارثا تتفحصُ يدَ جيم المصابة .

 

مارثا : لقد اعتنيتَ بيدك بشكلٍ ممتازٍ حقا ! ، لأولِ وهلةٍ ظننتُ أن طبيباً حقيقياً من قامَ بهذهِ الإسعافاتِ الأولية !

 

جيم : بالطبع فلا زلتُ أطمحُ بأن أصيرَ طبيباً في المستقبل ، ولكن تبقى قدرةُ ريبيكا على شفاءِ نفسها تلقائياً هي الأفضل وعندي فضولٌ لمعرفةِ سرّها .

 

ريبيكا : ....

 

نيلز : جميعنا لدينا الفضولُ لمعرفةِ سرِّ هذه القوة .

.

.

.

.

.

.

.

 

تمرُّ الأيامُ والأشهرُ وتقتربُ ريبيكا من بلوغِ الثانيةَ عشر، وفي إحدى اللّيالي بينما هي مشغولةٌ بالتحديقِ في نجومِ السماءِ ثم تلاحظُ فجأةً توهّجَ إحدى النجومِ بشدةٍ وضوءٌ ينتشرُ في كلِّ مكانٍ فتضعُ ريبيكا يدَها أمامَ عينيها لحمايتِها من الضوءِ ثم تعودُ النجمةُ إلى مستوى توهجُّ طبيعيٍّ كما حصلَ في السابق، تنظرُ حولَها وإذ برمالٍ حولَها، فتقفُ بذعرٍ وتكتشفُ إنها في نفسٍ المكانِ الذي زارته في ذلك اليومِ ! .

الصوت : اليوم مرَّ على لقائِنا سنةٌ كاملةٌ ، احسنتِ بإجادةِ التحول لعملاقٍ بنفسكِ .

 

تقفُ ريبيكا باحتراسٍ وتنظرُ حولها :

 

الصوت: إن والدكِ قد كان شخصاً بمكانةٍ عاليةٍ وبعدها تمِّ نفيُه إلى هذه الجزيرةِ بسبب خطأٍ فادحٍ قد اقترفَه، وأمُّك عالمةٌ تزوجَته وعندما تمَّ نفيُه لم تقبَل أن تتركَه وحيداً وقرّرت المجيءَ معه، وأنتما الطفلان قد تمَّ جرّكما إلى هذا الجحيمِ بسببهما .

 

تشعرُ ريبيكا بالإنزعاج من كلامِه : لا، خطأ، لا، لا ...

 

الصوت : إن عائلتَك هي كلُّ شيءٍ بالنسبةِ لك وإلّا لما مشيتِ كلَّ تلكَ المسافةِ إلى أكثرِ الأماكنِ الملوّثةِ في الجزيرةِ لإيجاد علاجٍ لوالدك، لذلك سأعرضُ عليكِ التالي؛ يمكنكِ الحصولُ على قوةٍ قادرةٍ على علاجِهما وعلى الكثيرِ من القوى الأخرى، إذا كنتِ تريدين ذلكَ أومئي بنعم .

 

تسكنُ ريبيكا للحظاتٍ ثم تومئُ بوجهِها ببطء بمعنى "نعم" .

ثمّ يظهرُ من العدمِ نفسُ الولدِ الذي ظهرَ لها سابقاً .

 

الصوت : هناك وسيلتان للحصولِ على هذه القوى ...

 

يفتحُ الولدُ يدَه اليسرى فتظهرُ شجرةٌ مضيئةٌ .

 

الصوت : الوسيلة الأولى طويلةُ الأمدِ وهي المساراتُ وللحصولِ عليها سيتوجّبُ عليكِ الزواجُ من شخصٍ معيّن وستظهرُ القوةُ بعدَها عشوائيّا بين ذريّتِك وسيتمُّ توارثُها للأبدِ ! .

 

تحاول ريبيكا الاستيعاب ما يقوله الصوت .

 

الصوت : ولكنّكِ لا تحتاجينَ هذا الخيارَ في وقتكِ الحالي لذلكَ فلنتجاهلهُ .

 

ثم يغلقُ الولدُ يدَه ويفتحُ الأخرى فتظهرُ منها عدّةُ نجومٍ متصلةٍ ومشكلةٍ برجاً سماوياً .

 

الصوت :  الطريقةُ الثانيةُ قصيرةُ الأمدِ وفيها ستمتلكينَ أنت القوى وستختفي مع وفاتكِ . وللحصولِ عليها سيتوجبُ عليكِ فعلُ الآتي ("...")

 

يقولُ الصوتُ شيئاً ما والفتاةُ تستمعُ إليه وبعدها تتغيرُ ملامحُها .

 

تصرخُ ريبيكا بذعرٍ : لااااااا ........ لا ، لا لا لا

 

الصوت : تذكّري ... سيتحتمُ عليكِ الاختيار ! .

 

تسدُّ ريبيكا أذنيها وتخفضُ رأسها وتصرخُ : لا لا لا لا اصمت لا لا

 

الصوت : بقيَ أمرانِ لإخبركِ إياهما، الأولُ يمكنكِ العودةُ إلى هنا متى ما أردتِ ذلك، لكني لن أجيبكِ عندما أرغبُ منكِ أن تتخذي القراراتِ بنفسك .

 

ريبيكا تضعُ رأسها أرضاً غيرَ مستمعةٍ ... ثمَّ بعدَ قليلٍ ترفعُه والدموعُ في عينيها .

 

الصوت : ثانيا؛ مهما حصلَ لكِ، أريدكِ أن تواصلي حياتَك، استمري بالعيش !

 

يضعُ جيم يدَه على كتفِ ريبيكا : هيي بيكا ...

 

تتفاجأُ ريبيكا وتنظرُ حولَها فإذ هي قد عادَت إلى الحياةِ الواقعيةِ .

 

جيم : ما بالُ عملاقتِنا شاردة ؟ لقد فوتتِ العشاءَ العائلي، وأمي قد صنعَت كعكتَها المميزة، هاكِ كأسَ شرابٍ .

 

تلتقطُ ريبيكا منه الكأسَ وهي ترتجفُ قليلا : ش.... شك...

 

يجلسُ جيم جانبَها : ما بالكِ ؟ هل هناكَ خطبٌ ما ؟

 

تنهمرُ الدموعُ من عينيّ ريبيكا : لا.... أدري ...

.

.

.

.

.

.

.

.

.

 

يمرُّ حوالي أسبوعان وفجأةً تزدادُ حدّةُ مرضِ أبيهم ويعودُ لالتزامِ الفراشِ وتصبحُ حالتُه أسوءَ من أيِّ مرةٍ وذلكَ بسببِ انتهاءِ أحدِ مكوناتِ الدواءِ الذي يستعملُه ولذلكَ يخرجُ جيم وريبيكا لإيجادِ بعضٍ من أنواعِ الأعشابِ الطبيةِ في إحدى المناطقِ الجبليةِ في الجنوبِ ، وجيم جالسٌ على كتفِ ريبيكا حيثُ صمّمَ والده مقعداً آمناً ليتمَّ وضعُه هناكَ مثلَ السرجِ .

 

جيم : ريبيكا أعرفُ أنّكِ تتضايقين من مجيئي معكِ في هذه الرحلات لكن تعرفين أنّك تحتاجين إلي .

 

تتسلق ريبيكا على الجبل : ...

 

جيم : أنت ممتازةٌ من حيثِ سرعةِ التنقلِ وتوفيرِ الجهدِ وعبورِ الأماكنِ الصعبةِ وإيجادِ أيِّ شيءٍ من خلال الرائحةِ ، (ثم يصرخ) احترسي من ذلك النتوءِ لا تضعي يدكِ عليه فهو يبدو ضعيفا ! (يواصل) بأيّ حالٍ كما كنت أقول انت تحتاجين أحداً لكي يساعدكِ في البحث بالأماكن الدقيقة بالإضافة إلى أنّكِ تتوهين بسهولةٍ وتحتاجين للإرشاد .

 

ثم ينظرُ إليها ويمسحُ على شعرها : أنا ... لن أتخلَّ عنكِ ابداً !

لكن وبينما هي تتسلقُ في إحدى المنحدراتِ الحادةِ وفجأة جيم يصرخُ : "احترسي !!" وتنزلق يدها ويسقطُ العملاقُ ويحصل إنهيار .

 

تشعرُ ريبيكا بأنَّ الزمن بطيءٌ وهي تسقطُ في الهواءِ متجهةً لتصطدمَ بالأرضِ وتنظرُ إلى السماءِ المليئةِ بالصخورِ التي تتبعها بالسقوطِ، بعدها يحصلُ اصطدامٌ وسواد ! ثم تستيقظُ لتجدَ نفسها ملقيةً أرضاً وتسمعُ صوتَ صراخِ أخيها ويوجدُ هناك الكثيرُ من الصخورِ على جسدِها بعضها اخترقَها ومزقَها، تنظرُ حولَها وترى أن المقعدَ فارغٌ وقد انسلَّ من كتفها، تنظرُ أبعدَ قليلاً وتجدُ صخرةً حمراءَ مضرجةً بالدماءِ وأسفلُها أخوها الأصغرُ أو ما بقي منه ! وهنا تسمعُ صوتاً من ذكرياتها "سيتحتّمُ عليكِ الاختيار !" .

 

بعدها تركضُ ريبيكا مسرعةً للبيتِ الذي يبعدُ مسيرةَ نصف يومٍ وتحملُ بيدها أخيها وقد قُطعت يدُه ورجلُه والدماءُ تخرجُ منهم بغزارةٍ -مع أنه تم ربطهما من قبل ريبيكا .

 

صوتُ ريبيكا البشري : لا تمت، لا تمت، لا تمت، أرجوك ! .

 

استمرَّ أخوها بالصراخِ والأنينِ لمدةِ عشرينَ دقيقةٍ وبعدها يبدأُ صوتُه بالاختفاءِ تدريجيّا، وهي تركضُ بهلعٍ ولا تعرفُ ماذا تفعل ثم تسمعُ ذلكَ الصوتَ مجدّدا "سيتحتّمُ عليكِ الاختيار" ثمّ تتذكرُ ذلك المشهد .

__________________

 

يفتحُ الولدُ عديمُ العينينِ يدَه والتي بها البرجُ السماوي .

الصوت : الطريقةُ الثانيةُ قصيرةُ الأمدِ ستمتلكين أنت القوى وستختفي مع وفاتِك ولكي تستخدميها "سيتوجّب عليكِ إلتهامُ أحدِ أفراد عائلتك !!" ، كما ترين فإنَّ هذا المكان يتغذّى على المشاعرِ البشريةِ لسببٍ ما ، بأيِّ حال يوجدُ لديكِ ثلاث أشخاصٍ ليعطوكِ القوةَ بالفعلِ ! لذلكَ ما إن يكونَ أحدُ أفرادُ عائلتِك على وشكِ الموتِ يفضَّل أن تلتهميه من أجلِ إنقاذِ البقيةِ ! .

___________________

 

ثمّ تحملُ ريبيكا جيم وتقرّبُه من فمِها .

يصرخُ جيم بما تبقّى من صوتِه : لا ... ما... الذي... تفعلي... نه...؟ ري... بي... كا...

 

ثمّ تضعُه ريبيكا بينَ أسنانِها وبعدَها تظهرُ ملامحُ فزعٍ في وجهِه : لاااااا ، توقفييي !!!!

 

ريبيكا : آسفة ، آسفة ، آسفة ، آسفة ، آسفة ...

 

الصوتُ في رأسِ ريبيكا : إلتهميه بسرعةٍ قبلَ أن يموت ! .

 

ريبيكا : آسفة ، آسفة ، آسفة ،آسف ، آسفة ...

 

تنزلُ دمعةٌ من عينِ العملاقِ .

 

ريبيكا :  آسفة ، آسفة ، آسفة ، آسفة ، آسفة ...

 

الصوت: وإلّا سيكونُ الأمر عبثاً ! .

 

ريبيكا : آسفة ، آسفة ، آسفة ، آسفة ، آسفة ، آسفة ، آسفة ، آسفة ، آسفة ،آسفة ، آسفة ، آسفة ، آسفة ،آسفة ، آسفة ، آسفة ، آسفة ،آسفة ، آسفة ، آسفة ، آسفة ،آسفة ، آسفة ، آسفة ، آسفة ،آسفة ، آسفة ، آسفة ، آسفة ...

 

صوتُ قضم ...

 

ريبيكا تروي : وبعدَ تلكَ اللحظةِ انقلبت حياتي جحيماً ولم أرَ فيها إلا البؤسَ والمعاناة .

 

تعليقات

التنقل السريع